الخرطوم – «وكالات» : وقع المحذور في السودان أمس، ولاحت في أجوائه نذر حرب أهلية مدمرة، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة وسط وجنوب العاصمة الخرطوم، بين قوات الجيش والدعم السريع، كما اندلعت اشتباكات مماثلة بمدينة مروي شمال السودان.
كما وقعت اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، على تخوم القصر الرئاسي وقيادة الجيش وإقامة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، وسط حالة هلع وهروب جماعي لمواطنين من وسط المدينة وجنوبها.
وأغلق الجيش الجسور والطرق المؤدية للقصر الرئاسي وسط الخرطوم بالمدرعات الثقيلة، كما نشر مدافع ومركبات مدرعة في مدينة أم درمان.
وقال مصدر من الجيش السوداني إن القوات المسلحة تتعامل مع محاولة للسيطرة على مقر القيادة العامة من قبل قوات الدعم السريع.
وأوضح شهود عيان أن الاشتباكات جنوب الخرطوم بدأت بانتشار قوات الدعم السريع والجيش حول المدينة الرياضية.
وقال شهود لـ «رويترز» إن أصوات إطلاق نار كثيف سُمعت في محيط القيادة العامة للجيش السوداني ومقر وزارة الدفاع بوسط الخرطوم. كما سمعت أصوات إطلاق نار في مدينة بحري بالخرطوم في محيط منشآت لقوات الدعم السريع.
وبث ناشطون عبر فيسبوك مقطع فيديو بث مباشر توثق الاشتباكات المندلعة في الخرطوم وتصاعد أعمدة الدخان جراء الاشتباكات.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان إنها تفاجأت بقوة كبيرة من القوات المسلحة، تدخل إلى مقرها في أرض المعسكرات بسوبا في الخرطوم، وتضرب حصارا على القوات الموجودة هناك، ثم تنهال عليها بهجوم كاسح بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة.
أضاف البيان أن قوات الدعم السريع تهيب بالشعب السوداني وبالرأي العام الدولي والإقليمي، إلى إدانة هذا «المسلك الجبان»، كما دعت الشعب السوداني إلى التماسك في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.
وأكد البيان أن قيادة الدعم السريع أجرت اتصالات مع الآلية الرباعية ومجموعة الوساطة وأطلعتهم على تفاصيل الهجوم.
من جهته قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لقناة «الجزيرة» إن ما حدث يجب أن يمنع تكوين أي قوات خارج رحم القوات المسلحة..
وأكد البرهان أن قوات الدعم السريع هي من هاجم مقرات الجيش في بيت الضيافة، وهو مقر إقامة رئيس مجلس السيادة، وعبّر المتحدث نفسه عن تفاجئه بمهاجمة الدعم السريع منزله في التاسعة صباحا، أضاف أن قوات الدعم السريع تحرشت بالجيش في منطقة المدينة الرياضية جنوبي العاصمة الخرطوم، وهي التي انطلقت منها شرارة اشتباكات اليوم.
وحسب رئيس مجلس السيادة في السودان، فإن قوات الدعم السريع تسللت إلى مطار الخرطوم عبر صالة الحج والعمرة، مشيرا إلى أنها أحرقت بعض الطائرات، لافتا إلى أن القوات المسلحة تعاملت مع عناصر الدعم السريع في المطار.
وأكد البرهان أنه لم يستطع أحد دخول القيادة العامة للجيش السوداني، وأن كال المرافق الإستراتيجية من قيادة الجيش والقصر الجمهوري تحت السيطرة، وذلك ردا على إعلان قيادة الدعم السريع أنها سيطرت على بيت الضيافة والقصر الجمهوري ومطاري الخرطوم ومروي.
ودعا إلى إعادة قوات الدعم السريع التي دخلت الخرطوم إلى أماكنها، مضيفا أنه إذا استمرت حالة الحرب فإن الجيش سيدخل قواته للخرطوم من مناطق مختلفة، وقال إن للجيش «احتياطات جيدة وقواعد لم يقم بتحريكها حتى الآن».
إلى ذلك، لفت البرهان في حديث لقناة «العربية»، إلى أن الجيش يدير العمليات ضد قوات الدعم السريع بصبر لمنع وقوع أي خسائر بشرية.
وشدد على أن «الجيش لديه قوات كافية وإرادة لدحر المتمردين».
من جهة أخرى أكد شهود عيان أن الطيران الحربي قصف معسكر المظلات بمدينة الخرطوم بحري التابع لقوات الدعم السريع.
وأعلن الجيش أن قائد الدعم السريع بولاية النيل الأبيض سلم جميع قواته ومعسكراته، مضيفاً أن قواته دمرت عشرات المركبات العسكرية التابعة لقوات الدعم.
كما أوضح أنه يعمل على السيطرة على مواقع الدعم في الخرطوم والولايات الأخرى.
أما في مروي فعاد الهدوء الحذر إليها بعد انتشار القوات المسلحة، لاسيما في القاعدة العسكرية التي شهدت بوقت سابق اشتباكات عنيفة.
إلى ذلك، نفى الجيش مزاعم قوات الدعم السريع بشأن سيطرتها على المطار والقصر الرئاسي ومنزل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، معلناً تنفيذ ضربات جوية ضد مقارها. وشدد على أن قواته تسيطر بشكل تام على مقرات الرئاسة والقيادة العامة وسط العاصمة، وعلى جميع القواعد العسكرية والمطارات في البلاد.
وكان الدعم أعلن بوقت سابق السيطرة على المطار وعلى القصر، ومنزل قائد الجيش، وفق ما نقلت رويترز.
كما زعم السيطرة على القاعدة العسكرية في مروي، التي شهدت اشتباكات عنيفة داخلها وفي محيطها، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة، وسط حالة من الهلع والخوف بين سكان المنطقة.
في حين اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بمداهمة مقر لها في منطقة سوبا بالخرطوم، مستعملاً كل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، واصفة هذا العمل بالجبان. ولفتت إلى أنها «تواصلت مع كل من الآلية الرباعية ومجموعة الوساطة ممثلة بمالك عقار ومني اركو مناوي وجبريل إبراهيم وأطلعتهم على هذا الاعتداء الغاشم»، وفق وصفها.
كما دعت «أبناء الشعب السوداني في القوات المسلحة إلى الوقوف إلى جانب الحق»، وحثت «الرأي العام الدولي والإقليمي على إدانة هذا المسلك الجبان»، وفق وصفها.
واعتبر قائدها محمد حمدان حميدتي، أن القتال الدائر الآن سيفضي إلى حسم العملية السياسية واستقرار البلاد.
يشار إلى أن تلك الاشتباكات اندلعت على الرغم من تأكيد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع أيضا محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي أمس الأول، حرصهما على التهدئة وعدم إدخال البلاد في أتون الصراع.
فيما تعالت الدعوات الإقليمية والدولية من السعودية إلى مصر وبريطانيا والولايات المتحدة للتهدئة محذرة من مخاطر هذا الصراع.
بدوره دعا المبعوث الأممي، فولكر بيرتيس، إلى وقف فوري للقتال من أجل ضمان سلامة الشعب.
بينما أعلنت لجنة أطباء السودان وقوع عشرات الجرحى و3 قتلى من الطرفين، فضلا عن إصابة عدد من المدنيين، وسط تعذر وصول المساعدات الطبية إلى بعض المناطق سواء في العاصمة أو خارجها.
وكانت الخلافات بين القوتين العسكريتين تفجرت منذ الأربعاء الماضي في منطقة مروي، بعد أن دفعت الدعم السريع بنحو 100 آلية عسكرية إلى موقع قريب من القاعدة الجوية العسكرية هناك، ما استفز الجيش الذي وصف هذا التحرك بغير القانوني، مشددا على وجوب انسحاب تلك القوات، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
علماً أن خلافات سابقة بين الطرفين كانت طفت إلى السطح أيضا خلال ورشة الإصلاح الأمني التي عقدت في مارس الماضي (2023) حول دمج عناصر الدعم السريع في الجيش، وأدت إلى تأجيل الإعلان عن الاتفاق السياسي النهائي الذي كان مقرراً مطلع أبريل من أجل العودة بالبلاد إلى المسار الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.
وقبل ساعات من اندلاع الاشتباكات، أعلن وسطاء سودانيون فجر أمس السبت، إثر لقائهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان أن الأزمة بين الجيش وقوات الدعم السريع في طريقها إلى الحل.
فقد أعلنت لجنة ثلاثية من قادة الحركات المسلحة، مكونة من عضو مجلس السيادة مالك عقار ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان حاكم دارفور مني مناوي، أنها لمست لدى البرهان استعدادا للإقدام على أي خطوة تعين على حلحلة الإشكال الطارئ بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وإعادة الأمور لنصابها الطبيعي.
كما قالت لجنة الوساطة السودانية إن الأزمة في طريقها إلى زوال، وإن قيادات القوتين أوعى من أن يقودوا البلاد إلى حرب أهلية المنتصر فيها خاسر لا محالة، بحسب ما ورد في البيان.